يتبع كثير من الآباء والأمهات أسلوب القسوة في التعامل مع الأبناء ، إما بسبب الحماية الزائدة للأبناء والخوف عليهم ، أو بسبب مفهوم متوارث عند بعض الآباء أن القسوة تصنع رجالاً و أنها الأسلوب الأمثل لتربية الأبناء وضمان استقامتهم.
أما النوع الأخير من الآباء الذين يمارسون القسوة على الاطفال ، فهو ذاك النوع الذي استسلم لمشاكل وضغوط الحياة فأصبح مثل البالون المنتفخ بالهواء ينتظر شخصا ليوخزه فينفجر ، وغالبا يكون هذا الشخص هم الأطفال ، لكن كل هؤلاء الآباء والأمهات لا يعلموا ما يحدثوه لأطفالهم من آثار سلبية جراء استخدام هذه القسوة.
فالقسوة إما تكون قسوة جسدية بالتعدي بالضرب على الوجه أو الجسم ، أو تكون معنوية بالإهانة اللفظية أو التوبيخ وحرمان الطفل من متطلباته و الأشياء التي يحبها ، وكلاهما له تأثير سيء على شخصية الطفل من الناحية النفسية والعقلية.
فبعض الآباء والأمهات يلجؤون إلى تعنيف أطفالهم على كل خطأ يرتكبوه بدءا من الصراخ في وجوههم أو التوبيخ والإهانة اللفظية وصولا إلى الضرب بكل ما تطاله اليد ظنا منهم أن هذا الأسلوب يعدل سلوك الطفل ، ويمنعه من إرتكاب الخطأ مرة أخرى ، وانما هو في الحقيقة تشويه واضعاف لشخصية الطفل.
فهرس المقال :
الضرب لا يعدل سلوك الطفل
أيتها الأم الفاضلة ….. التي تصرخين على أطفالك ليل نهار لأتفه الأسباب ، وعلى كل صغيرة وكبيرة يخطئن فيها أبناءك ، هل تعلمين أن الدراسات العلمية أثبتت أن الأثر الذي بتركه الضرب على تعديل سلوكيات الطفل يكون لحظيا ، أي أنه لا يردعه عن فعل الخطأ مرة أخرى ، بل على العكس ربما يجعله أكثر عندا وعدوانية ، فالضرب والتعنيف يترك آثارا سلبية على شخصية الطفل في المستقبل.
لا تشوه شخصية ابنك
سيدتي الفاضلة … إن من الآثار السلبية التي تسببها القسوة والعنف في تربية الأبناء هو ضعف ثقة الطفل بنفسه ، فطفلك حينما يتعرض للضرب والتعنيف ولا يستطيع الدفاع عن نفسه يشعر بالضعف وأنه شخص سيء ، وأقل قيمة من الاخرين ، ويتواجد لديه شعور بالنقص والحاجة ، يجعله معدوم الإحساس والمشاعر و كلما زادت القسوة على الطفل أصبح قاسي القلب ، أناني لا يهتم لأحد غيره ولا يقدر الاخرين .
فالقسوة تحول الطفل لشخص عدواني يميل إلى أذى غيره ويتمتع بذلك ، وهذا يظهر خلال تعامله مع زملائه في المدرسة أو النادي أو أي مكان آخر ، فهو بهذا السلوك كأنه ينتقم لنفسه مما يتعرض له من ضرب وتعنيف. كما أن كثرة الضرب والتعنيف قد تجعله شخصاً عاجزا مصابا بالخوف وعدم القدرة على الدفاع عن حقه أو اتخاذ قرار في حياته ، فهو دائما تابع لغيره.
أضرار القسوة على الطفل هي عقلية ونفسية أكثر منها جسدية
أيها الأب الكريم …. أخاطبك أنت خاصة وأشد على يديك ، فسلوكك اتجاه أبناءك هو أكثر ما يحدد مصيرهم في هذه الحياة ، كما يشير أطباء علم النفس ….
فهل تعلم سيدي الفاضل أن بعض الدراسات العلمية أثبتت أن الآباء الذين لديهم عصبية زائدة ينتجون أولاد أكثر عرضة للأمراض العقلية مثل مرض التوحد ، والفصام في الشخصية ، يقول أحد أطباء علم النفس ” إن العنف يخلق شخصية محطمة ضعيفة ووسواسه متوجسة تفتقر للمشاعر وتعاني الفراغ العاطفي”
كلما تصاعد حدة العقاب يصاب الطفل باضطرابات نفسية وانعزالية واكتئاب ، ويصبح الأمر أكثر خطورة إذا استمر تعرض الطفل للضرب والإهانة بعد سن السابعة.
بالإضافة إلى التأثيرات السابقة فإنه يصبح شخصية سيكوباتية منحرفة عن السلوك السوي ، وتميل إلى سلوكيات مضادة للمجتمع والقيم والأخلاق ، حيث يتطور الأمر إلى الشعور بالراحة النفسية عند إيذاء من حوله ، والبدء في إرضاء نزواته ورغباته من خلال إثارة الفتنة والوقيعة بين أفراد المجتمع أو السرقة وغيرها من السلوكيات الغير أخلاقية ، وكل هذا يتم دون شعور بالذنب أو تأنيب الضمير على ما يلحق غيره من الأذى.
أضرار القسوة على الطفل كثيرة و تتسبب في نتائج اخطر مما قد يعتقد الآباء.
القسوة أولى أسباب انحراف الأبناء
أمي الفاضلة … أبي الكريم
ربما تقسو على أولادكم ظنا منكم أنها الوسيلة الأمثل لتربية الأبناء على الاستقامة ، أو لضعف التحكم في النفس عند الغضب ، وربما تكون القسوة طبعاً وجبلة في أنفسكم ، لكن هل تعلموا أن هذه القسوة التي تربون بها أولادكم ، سواء عن عمد أو دون إرادة ، هى أكبر سبب في انحراف الأبناء عند بلوغهم ، فبداية الانحراف تكون سببها قسوة الأب وعصبيته الزائدة ، فكلما يقسو الأب على أبناءه ويتعدى عليه بالضرب أوالإهانة أو حرمانهم من أشد متطلباتهم مثل الإنفاق على تعليمهم أو المأكل و الملبس ، يحدث شرخا في العلاقة بينه وبين أبناءه ، وينعدم التواصل والتفاهم فيما بينهم ، فيلجأ الابن إلى البحث عن بديل خارج المنزل ودائما يكون هذا البديل هم رفقاء السوء الذين يجرونه الى كل فعل شنيع بدافع الاحساس بالرجولة ، بدءا من الادمان وشرب المخدرات ، وصولاً إلى السرقة وغيرها من الأفعال الشنيعة. وكم من شاب و مراهق هجر بيته بسبب قسوة الأب عليه فانحرف وضل الطريق.
قسوة الأب على أبنائه هي سبب كره الابناء لابائهم و قد تتطور الى صراع و انحراف كبيرين.
لا تصنع ابنا عاقا بوالديه
يقول أحد استشاري طب نفس الأطفال أن الطفل عندما يتعرض للضرب قبل سن السابعة ، فإنه يختزن مشاعر سلبية يسقطها على أبويه عندما يكبر ، أي يصبح عاقا بهما غير رحيم ، وهذا ما يفسره المثل القائل ( الأبناء العاقين في الأهل القاسيين ) ، فمن فقد الحنان ولم يعرفه أو يذقه فكيف يهبه لغيره .
فيا أيها الأب … وأيتها الأم
أغدقوا على أبناءكم بالرحمة والحنان حتى يهبوها لكم عند الكبر ،فابنك هو الغرس الذي ستستظل به عند الكبر ، فإن زرعت وردا سوف تشم عبيره ، وان غرست الشوك سوف تطعن بسنانه.
قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ” من لا يرحم لا يرحم “.